(بسم الله الرحمن الرحيم)
وقال بعضهم موصيًا أولاده بوصية نافعة لمن عمل بها.
وبعد، فإني لما علاني المشيب بغمته، وقادني الكبر في رمته، وادكرت الشباب بعد أمته؛ أسفت لما أضعت، وندمت بعد الفطام على ما رضعت؛ وتأكدت وجوب نصحي لمن لزمني رعيه، وتعلق بسعيي سعيه، وأملت أن تتعدى إلى ثمرات استقامته، وأنا رهين فوات، وفى برزخ أموات؛ ويأمن العثور في الطريق التي اقتضت عثاري، إن سلك - وعسى ألا يكون ذلك - على آثاري فقلت أخاطب الثلاثة الولد، وثمرات الخلد؛ بعد الضراعة إلى الله في توفيقهم، وإيضاح طريقهم، وجمع تفريقهم؛ وأن يمن علي فيهم بحسن الخلف، والتلاقي من قبل التلف، وأن يرزق خلفهم التمسك بهدي السلف؛ فهو ولي ذلك، والهادي إلى خير المسالك.
اعملوا هداكم من بأنواره يهتدي الضلال، وبرضاه ترفع الأغلال، وبالتماس قربه يحصل الكمال، إذا ذهب المال، وأخلفت الآمال، وتبرأت من يمينها الشمال؛ إني مودعكم وإن سالمني الردى، ومفارقكم وإن طال المدى، وما عدا مما بدا؛ فكيف وأدوات السفر تجمع، ومنادي الرحيل يسمع؛ ولا أقل للحبيب المودع من وصية محتضر، وعجالة مقتصر؛ ونصيحة تكون نشيدة واع ومبصر؛ تتكفل لكم بحسن العواقب من بعدي، وتوضح لكم في الشفقة والحنو قصدي، حسبما تضمن وعد الله من قبل وعدي؛ فهي أربكم الذي لا يتغير وقفه، ولا ينالكم المكروه ما رف عليكم سقفه؛ وكأني بشبابكم قد شاخ، وبراحلكم قد أناخ؛ وبنشاطكم قد كسل، واستبدل الصاب من العسل، ونصول الشيب تروع بأسل، لا بل [السام] من كل حدب قد نسل، والمعاد اللحد ولا تسل؛ فبالأمس كنتم فراخ حجر، واليوم آباء عسكر مجر، وغدًا شيوخ مضيعة وهجر؛ والقبور فاغرة، والنفوس عن المألوفات