(فَصْلٌ في فَوَائِد منوعة)
قَالَ ابن القيم: واعلم أن الصبر على الشهوة أسهلُ من الصبر على ما تُوجِبُه الشهوة.
فان الشهوة إما إن تَكُون توجب ألمًا وعقوبةً.
وإما أن تقطع لذةً أكمل مِنْهَا.
وإما أن تضيع وقتًا أضاعته حَسْرَة وندامة.
وإما أن تثلم عرضًا توفيره وانفع للعبد من ثلمه.
وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خَيْرٌ من ذهابه.
وإما أن تسلب نعمةً بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة.
وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقًا لم يكن يجدها قبل ذَلِكَ.
وإما أن تجلب همًا وغمًا وحزنًا لا يقارب لذة الشهوة.
وإما أن تنسي عِلْمًا ذكره ألذ من نيل الشهوة.
وإما أن تشمت عدوًا وتحزن وليًا.
وإما أن تحدث عيبًا يبقى صفةً لا تزول، فَإِنَّ الأَعْمَال تورث الصفات والأَخْلاق.. أهـ.
وقَالَ إبراهيم بن بشار: ما رَأَيْت فِي جميع من لقيته من العباد والْعُلَمَاء والصالحين والزهاد أَحَدًا يبغض الدُّنْيَا ولا ينظر إليها مثل إبراهيم بن أدهم، وَرُبَّمَا مررنا على قوم قَدْ أقاموا حائطًا أَوْ دارًا أَوْ حانوتًا فيحول وجهه ولا يملأ عينيه من النظر إليه فعاتبته على ذَلِكَ، فقَالَ: يَا بشار اقرأ ما قَالَ الله تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ولم يقل أيكم أحسن عمارة للدنيا وأكثر حبًا وذخرًا وجمالاً، ثُمَّ بكى وقَالَ صدق الله عز اسمه فيما يَقُولُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ولم يقل إلا ليعمروا الدُّنْيَا ويجمعوا الأموال ويبنوا الدور ويشيدوا القصور ويتلذذوا ويتفكهوا، وجعل يومه كله يردد ذَلِكَ وَيَقُولُ {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .