فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أَرَأيْتَ مَعْـ ... ــشُوقَيْنِ بَعدَ البُعْدِ يَلْتقِيانِ
غَابَ الرَّقِيبُ وَغَابَ كُلُّ مُنَكَّدٍ ... وَهُمَا بثَوْبِ الوَصْلِ مُشْتَمِلانِ
أَتَرَاهُمَا ضَجِرَيْنِ مِنَ ذَا الْعَيْشِ لا ... وَحَياةِ رَبِّكَ مَا هُمَا ضَجِرَانِ
وَيَزِيدُ كُلّ مِنْهُمْ حُبًّا لِصَا ... حِبِهِ جَدِيدًا سَائِرَ الأَزْمَانِ
وَوِصَالُهُ يَكْسُوهُ حُبًا بَعْدَهُ ... مُتَسَلْسَلاً لا يَنْتَهِي بِزَمَانٍ
فَالْوَصُلُ مَحْفُوفٌ بِحُبٍ سَابِقٌ ... وَبِلاحِقِ وَكِلاهُمَا صِنْوَانِ
فَرْقٌ لَطِيفٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ ذَا ... يَدْرِيْهِ ذُو شُغْلٍ بِهَذَا الشَّانِ
وَمَزِيدُهُم فِي كُلّ وَقْتٍ حَاصِلٌ ... سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالسُّلْطَانِ
يَا غَافِلاً عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ ... جَدَّ الرَّحِيل وَلَسْتَ بِالْيَقْظَانِ
سَارَ الرِّفَاقُ وَخَلَّفُوكَ مَعَ الأولى ... قَنَعُوا بِذَا الْحَظِّ الْخَسِيسِ الْفَانِ
وَرَأَيْت أَكْثَرَ مَنْ تَرَى مُتَخَلِّفًا ... فَتَبَعْهُم فَرَضِيتَ بِالْحِرْمَانِ
لَكنْ أَتَيْتَ بِخُطَّتِي عَجْزٍ وَجَهْـ ... ــلٍ بَعْدَ ذَا وَصَحِبْتَ كُلَّ أَمَانِ
مَنَّتْكَ نَفْسُكَ بِالْحُوقِ مَعَ الْقُعُودِ ... عَنْ الْمَسِيرِ وَرَاحَةِ الأَبْدَانِ
وَلَسَوْفَ تَعْلَمُ حِينَ يَنْكَشِفُ الْغَطَا ... مَاذَا صَنَعْتَ وَكُنْتَ ذَا إمكَانِ
وقَالَ ابن القيم رحمه الله:
فَيَا سَاهِيًا فِي غَمْرَةِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى ... صَرِيعَ الأَمَانِي عَنْ قَرِيبٍ سَتَنْدَمُ
أَفِقْ قَدْ دَنَى الوَقْتُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ ... سِوَى جَنَّةٍ أَوْ حَرَّ نَارٍ تَضَرَّمُ
وَبِالسُنَّةِ الْغَرَاءِ كُنْ مَتَمَسِّكًا ... هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى الَّتِي لَيْسَ تُفْصَمُ
تَمَسَّكَ بِهَا مَسْكَ الْبَخِيلِ بِمَالِهِ ... وَعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُ
وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا ... فَمُرَتِّعُ هَاتِيكَ الْحَوَادِثِ أَوْخَمُ
وَهَيء جَوَابًا عِنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا ... مِنِ اللهِ يَوْمَ الْعَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ
بِهِ رُسُلِي لَمَّا أَتَوْكَمْ فَمَنْ يَكُن ... أَجَابَ سوَاهُمْ سَوْفَ يُجْزَى وَيَنْدَمُ
وَخُذْ مِنْ تُقَى الرَّحْمَنِ أَعْظَمَ جُنَّةٍ ... لِيَوْمِ بِه تَبْدُو عِيَانًا جَهَنَّمُ