وأَنْتَ وزوجك بأكمل الهيئة وأتم النَّعِيم، وقَدْ حار فيها طرفك تنظر إليها متعجبًا من جمالها وكمالها، طرب قلبك بملاحتها، وأنس قلبك بها من حسنها، فهي منادمة لَكَ على أريكتك، تنازعك وتعاطيك الخمر والسلسبيل والتسنيم فِي كأسات الدر وأكاويب قوارير الفضة.
فتوهم الكأس من الياقوت والدر فِي بنانها، وقَدْ قربت إليك ضاحكة بحسن ثغرها، فسطع نور بنانها فِي الشراب، مَعَ نور وجهها ونحرها، ونور الجنان، ونور وجهك وأَنْتَ مقابلها، واجتمَعَ فِي الكأس الَّذِي فِي بنانها نور الكأس، ونور الشراب ونور وجهها ونور نحرها، ونور ثغرها. انتهى بتصرف.
وقَالَ ابن القيم:
فَاسْمَعْ صَفَاتِ عَرَائِسَ الْجَنَّاتِ ثُمَّ ... اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا أَخَا الْعِرْفَانِ
حُورٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا ... وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النِّسْوَانِ
حَتَّى يُحَارُ الطَّرْفُ فِي الْحُسْنِ الَّذِي ... قَدْ ألْبَسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ
وَيَقُولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا ... سُبْحَانَ مُعْطِي الْحُسْن وَالإِحْسَانِ
وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِنْ كُؤوس جَمَالِهَا ... فَتَرَاهُ مِثْلَ الشَّارِبِ النّشْوَانِ
كَمُلَتْ خَلائِقُهَا وَأَكْمَلَ حُسْنُهَا ... كَالْبَدْرِ لَيلَ السَّتِ بَعْدَ ثَمَانِ
وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهَا ... والليلُ تَحتَ ذَوائِبِ الأَغْصَانِ
فَتَرَاهُ يَعْجَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ ذَاكَ مِن ... لَيلِ وَشَمْسٍ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ
فَيَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِي ذَا صُنْعَه ... سُبْحَانَ مُتْقِنِ صَنْعَةَ الإِنْسانِ
وَكلاهُمَا مِرْآةُ صَاحِبِه إِذَا ... مَا شَاءَ يُبْصِر وَجْهَهُ يَرَيَانِ
فَتَرَى مَحَاسِنَ وَجْهِهِ فِي وَجْهِهَا ... وَيَرَى مَحَاسِنِهَا بِهِ بَعَيْنَانِ
حُمْر الْخُدُودِ ثُغُورُهُنَّ لآلِئٌ ... سُودُ الْعُيُونِ فَوَاتِرُ الأَجْفَانِ
وَالْبَدْرُ يَبْدُو حِينَ يَبْسُمُ ثَغْرُهَا ... فَيُضِئُ سَقْفُ الْقَصْر بِالْجُدْرَانِ
وَلَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ بَرْقًا سَاطِعًا ... يَبْدُو فَيَسْألُ عَنْهُ مَن بِجِنَانِ