الْمَعْرُوفُ بالإسْتِقْصَاءِ التَامِّ المشهودُ له بالإِمامة في هذا الفن- تَلَقَّفَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ هذَاَ الحُكْمَ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأُسْلُوبِهِ الْخَاصِّ دُونَ سَبْرٍ لأِبْعَادِهِ وَإمْتِحَانٍ لِمُسَوِّغَاتِهِ. فَالأمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ الفَارِسيّ- وَهُوَ الَّذي أعادَ ترتيبَ صَحيح ابن حبَّان عَلَى أبْواب الفِقْه- يَقُولُ: "لكِنَّهُ أيْ صَحِيح ابن حِبَّان- لِبَديعِ صُنعِهِ، وَمَنِيعِ وَضْعِهِ قَدْ عَزَّ جَانِبُهُ، فَكَثُرَ مُجَانِبُهُ" (?). وَعِبَارَتُهُ- كَمَا تَرَى- لَا تَصِفُ الصَّحِيحَ بِعُسْرِ التَّرْتِيب بمِقْدَارِ مَا تَصِفُ النَّاسَ بفُتُورِ الْهِمَمِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَضَعْفِ الْعَزَائِمِ أمَامَ مَنَاعَةِ الصُّنْعِ وَعِزَّةِ الجَانِبِ.
وَأما الْحَافِظُ السيوطى فَقَدْ قَالَ: "وَالْكَشْفُ مِنْ كِتَابِهِ- يَعْنِي صَحِيحَ ابْنِ حِبَّان- عَسِرٌ جداً" (?).
وَلكِنَّ الشَيْخَ أحمد شاكر قَدْ أطَال فِي التَعْبِيرِ فَقَالَ: "وَقَدْ قَصَدَ بِهذَا التَرْتِيب الَّذِي اخْتَرَعَهُ وَتَفَنَّنَ فِيهِ إِلَى مَقْصدٍ لَمْ يَتَحَقَقْ، وَصَارَ الْكَشْفُ مِنْ كِتَابِهِ عَسِراً جداً". وقَالَ أيْضاً: "وَلكِنَّ حِيلَتَهُ لِلْحِفْظِ لَمْ تُفْلحْ، ثُمّ نَجَحَ أيَّ نَجَاحٍ فِي تَصْعِيبِ الْكَشْفِ مِنْ كِتَابِهِ" (?).
وَهُنَا نَسْالُ: هَلِ العسرُ الَّذي وصفَتْ بِهِ طريقَةُ ابْنِ حِبَّان مَنْفِيٌ عَنِ الطرُقِ الَّتِي ألِفَهَا النَّاسُ وَاعْتادُوهَا؟