وإمعانُ النَّظَرِ في هذين الخبرَيْن يُوَضِّحُ أُموراً ينبغي التوقف عندها: أولاً: إنهما يَرْسُمان صورَةً لِبَعْضِ أدْعِيَاءِ العِلْم، الذينَ نَما الحسَدُ في نفوسهم، وَترعرع الحِقْدُ في قلوبهم، فتوهموا أن بيَدِهِمْ أمْرَ تَوْجِيهِ الفكر بَيْنَ النَّاسِ، وَمُصَادَرَةَ كُلِّ مَا لا يُناسِبُ مُيُولَهُمْ وأهْوَاءهَم، سِلاحُهُمْ في ذلِكَ إثارَةُ العَوَامِّ مِنَ النَّاسِ، والوشايةُ بهم إلَى الخليفة، يسند ذلِك افتراءٌ مَرْذولٌ، ويدعمُهُ بَاطل مَخْذولٌ. ثانياً: إنهما يحدِّدَان جِهَةَ الرِّحْلَةِ الَّتي قامَ بِهَا ابن حِبَّان، فقد تَوَجَّهَ إلى مَشْرِق الخِلاَفَة- الإِسلامية إشفاقاً عَلَى نَفْسِه من هياج الغَوْغَاءِ مِنَ العوامِّ، الذين يقول فيهم أبو يوسف كبير القضاة في زمن الخليفة هارون الرشيد: "لَوْ انَّ العَوَامَّ كُلَّهُمْ عَبِيدي لأَعْتَقْتُهُمْ". وَتَبَرَّأْتُ مِنْ وَلاَئِهِمْ"، وَمِنَ المُتَطَفِّلينَ عَلَى مَوَائِدِ الْعِلْمِ، الْحاقِدينَ، ائَذينَ أَرادُوا بِهِ شَرّاً. وَلَعَلَّة اختارَ ذلِكَ المكانَ في أطرافِ الخِلاَفَةِ حيث تضعُفُ قبضةُ السُّلطانِ، فَلاَ يَنَالُهُ عقابُة، وَلا تَطالُهُ سياطُ عَذَابهِ، حتى إذَا مَا هَدَأ الْحَالُ، وتُنُوسِىَ مَا كَانَ، وَشَعَرَ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالأمْنِ، عَادَ إِلى قلب الخِلافَةِ". وَجَابَ نَواحِيَهَا المختلِفَةَ، لِيُتِمَّ مَا بَدَأ بهِ، وَلِيُشْبِعَ نَهَمَهُ في طلَب الحديثِ، ولقِي الشُّيوخِ،- والأخذ عنهم، والإِفَادة منهم، ليتسنَّى لهُ أن يَتبوا مركزَ الصَّدَارَةِ بَيْنَ أهل العلم في بَلَدِهِ، وَيكُونَ الإمَامَ المَرْجُوعَ إِلَيْهِ في هذَا الْعِلْم الشَريفِ. ثالثاً: يُوَضِّحُ لَنا النَّص أنَّ سمرقند كانت مِنْ أوَائِل الْبلْدان الَّتي حَطَّ فيها عَصَا تَرْحَاله، وَفي هذا البلدِ الطيبِ اتَّصَلَ بشَيْخِهِ أبي حَفْص عمر بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015