البَابُ الثَّالِثُ
في سَبَبِ اشْتِباهِ كلامِهِ بَعْضِهِ بِبعضٍ
وَلَهُ سَبَبَانِ:
أَمَّا الأَوَّلُ: فَلِأَنَّ مَوْضُوعَ شِعْرِهِ الَّذي يَتَكَلَّمُ فيهِ هو رُكُوبُ الخَيْلِ لِلصَّيْدِ والحَرْبِ، ومُغازَلَةُ النِّساءِ ومُعَاشَرَتُهُنَّ، والافتِخارُ بِشَرَفِهِ ومُلْكِهِ، وجِدِّهِ واجْتِهادِهِ في تَحْصِيْلِهِ وحِفْظِهِ، وَيَتْبَعُ ذلكَ ما يَعْرِضُ لِلْمُنَافِرِ في أَغْرَاضِهِ مِنْ رُكُوبِ المَهَارِي، وقَطْعِ البَرَارِي، ومُعَانَاةِ الأَخْطَارِ، وخَوْضِ السُّيولِ والأَمْطارِ.
وأَما الثَّاني: فلِأَنَّ الرَّجُلَ كان فَصِيْحاً بَلِيْغَاً، تَأْبَى لَهُ بَلَاغَتُهُ أَنْ تكون ألفَاظُهُ بِعَيْنِها في كُلِّ قَصِيْدَةِ، بَلْ تَفَنَّنَ في بَلَاغَتِهِ، وتَجَلَّى عَرْضُهُ الواحِدُ في عِدَّةِ قَصَائِدَ، بِأَلْفَاظٍ مُتَغَايِرَةٍ مُتَشَابِهَةٍ، فَبِالوَاجِبِ وَقْعُ المُتَشَابِهِ في كَلَامِهِ، وهذا هو السَّبَبُ في تَشَابُهِ القرآنِ المُشَارِ إليه بقَوْلِهِ عز وجل: {الله نزل أحسن الحديث كتباً متشابهاً} [الزمر: 23]؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ القُرآنِ عَلَى تَقْرِيرِ أُمورِ المَعَاشِ والمَعَادِ والإِيمانِ، والزَّجْرِ والتَّرْهِيْبِ بِقَصَصِ الأُمَمِ الخَالِيَةِ، وذِكْرِ الجَنَّةِ والنَّار وأَهْلِها،