بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الحمد للهِ مُعَلِّمِ البيان، ومُلْهِمِ التِّبيانِ، الذي جَعَلَ الأَدبَ مَرْكَباً غَيْرَ كابٍ، ومَضْرَباً غَيْرَ نَابٍ، يَرْفَعُ الوَضِيْعَ، ويَضَعُ الجَهْلُ بهِ الرَّفِيْعَ، حَتَّى إِنَّهُ مِيزانُ الأَفْكارِ، وعُنوانُ الأَقْدارِ، ومُعَرِّفُ قِيْمَةِ الإِنْسَانِ، والمُمَيِّزُ بَيْنَ الإِسَاءةِ والإِحسَان، لم يَتَحَلَّ بهِ إلا فُحولُ الرِّجالِ، ولم يَتَخَلَّ مِنْهُ إلَّا مَنْ هو سَواءٌ وَربَّاتِ الحِجَالِ. والصلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، سَيِّدِ الأَواخِرِ والأَوائِلِ، والمُبَرِّزِ بِفَضْلِهِ على كُلِّ فاضِلٍ، أَفْصَحِ مَنْ نَطَقَ بالضَّادِ، وأَبْلَغِ مَنْ نَزلَتْ عليه الأَعْوادُ، وعلى آلهِ الأُدَباءِ الأَفاضِلِ المُجَلِّينَ في حَلَبَةِ الفضائِلِ، والفَواضِلِ على كل حافٍ وناعِلٍ، ورابحٍ ونائلٍ.
أَمَّا بَعْدُ، فهذا إِملاءٌ في الأَدَبِ، سَمَّيْتُهُ «موائِدَ الحَيْسِ في فوائِدِ امرئ القَيْسِ»، أَلَّفْتُهُ حَسَبِ سُؤالِ سائلٍ ذي نباهَةٍ في الأَدَبِ، ورَغْبَةٍ في الطَّلَبِ، ورَتَّبْتُهُ على مُقَدِّمَةٍ وأَبْوابٍ خَمْسَةٍ:
البَابُ الأَولُ: في مُتَشابِهِ كلامِ امِرْئِ القَيْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضِ.