الأولى من هذه البلايا الثلاث: أنهم إذا سمعوا قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} زعموا أن ظاهر الاستواء في الآية هو مشابهة استواء المخلوقين. فتهجموا على ما وصف الله به نفسه في محكم كتابه، وادعوا عليه أن ظاهره المتبادر منه هو التشبيه بالمخلوقين في استوائهم.
فكأنهم يقولون لله: هذا الاستواء الذي أثنيت به على نفسك في سبع آيات من كتابك ظاهره قَذِر نَجِس لا يليق بك لأنه تشبيه بالمخلوقين، ولا شيء من الكلام أقذر وأنجس من تشبيه الخالق بخلقه. سبحانك هذا بهتان عظيم! وهذه هي البلية الأولى التي هي التهجُّم على نصوص الوحي وادعاء أن ظاهرها تشبيه الخالق بالمخلوق، وناهيك بها بلية.
ثم لما تقررت هذه البلية في أذهانهم، وتقذرت قلوبهم بأقذار التشبيه، اضطروا بسببها إلى نفي صفة الاستواء فرازًا من مشابهة الخلق التي افتروها على نصوص القرآن أنها هي ظاهرها. ونفى الصفة التي أثنى الله بها على نفسه من غير استناد إلى كتاب أو سنة هو البلية الثانية التي وقعوا فيها. فحملوا نصوص القرآن أولًا على معان غير لائقة بالله، ثم نفوها من أصلها، فرارًا من المحذور الذي زعموا.
والبلية الثالثة: أنهم يفسرون الصفة التي نفوها بصفة أخرى، من تلقاء أنفسهم، من غير استناد إلى وحي، مع أن الصفة التي فسرها بها هي بالغة غاية التشبيه بالمخلوقين.
فيقولون {اسْتَوَى} ظاهره مشابهة استواء المخلوقين. فمعنى