الواحد بألفاظ متقاربة بل مآلها عند التحقيق واحد. فهي متحدة في الغاية والمصب كما اتحدت في المأخذ والمشرب. ولعل الطبري رحمه الله قد شعر بهذا إذ قال بعد أن أورد أقوال السلف في معنى الآية:- وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال:- معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسن لهم الباطل، وذلك أن ذلك عقيب قوله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 1 فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي، أمرهم الله به، فيصدهم عنه، وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم، ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه فيزينه لهم، ويدعوهم إليه، وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل من فوقهم لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم2.
وقد كان لجمع أقوال السلف فى تفسير هذه الآية أثر كبير في بيان المعنى وتحقيقه وقد نبه إلى أهمية هذا شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله بقوله:- وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين3.
ولأمثل بمثال آخر يتأكد به ما ذكرت من سير الشيخ على هذا المنهج، وحرصه على متابعة السلف في أقوالهم وتتبع آثارهم، وإنزالها في مواضعها، وغاية الاستفادة منها، إذ يقول عند قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ... } الآيتين4.
ما نصه: وقد ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعل الناس اليوم ولا يعرفون معناه.