وللشيخ رحمة الله مقدرة فائقة في استنباط المسائل العقدية من الآيات، وكيف لا وهو حامل لواء تجديد العقيدة الإسلامية التي خالطت روحه وفكره وثقافته، فتراه حتى في الآيات المتعلقة بالقصص القرآني يركز على الجانب العقدي، وإيضاح ما يستفاد من دروس عقدية من القصة، فلا يقف عند مجرد سرد أحداث القصة القرآنية كما درج عليه كثير من المفسرين، وذلك أن العقيدة واحدة لم تتغير بتغير الأمم، ولاشك أن الهدف من القصص هو العظة والعبرة، لا مجرد سرد الأحداث وسيأتي- إن شاء الله- مزيد تفصيل لمنهج الشيخ في القصص القرآني. واكتفى هنا بذكر مثال واحد يتضح به ما ذكرت.
فقد قال الشيخ مستنبطاً من قصة آدم وإبليس1: وفي القصة فوائد عظيمة وعبر لمن اعتبر بها، منها: أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد، كما استدل عليه سبحانه في غير موضع، وعلى قدرته سبحانه، وعظمته، ورحمته، وعقوبته، وإنعامه، وكرمه، وغير ذلك من صفاته.
ومنها: أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" خاصة، ومنها: الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم، ومنها: الدلالة على القدر خيره وشره، فقد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل، ومنها: وهى أعظمها أنها تفيد الخوف العظيم الدائم في القلب، وأن المؤمن لا يأمن حتى تأتيه الملائكة عند الموت تبشره.
وذلك من قصة إبليس، وما كان فيه أولا من العبادة والطاعة، ففي ذلك شيء من تأويل قوله "صلى الله عليه وسلم": "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع" إلى آخره2.
والشيخ رحمه الله لم يكتف بالامتثال منه وكفى، بل دعا غيره إلى إتباع الحق والتمسك به ونبذ ما يخالفه من البدع والأهواء، وهذا وأضح تمام الوضوح في تفسيره. فقد كان يهتم كثيراً بإيضاح العقيدة، ويرى أنها روح الإسلام وجوهره، بل هي الدين كله.
فانظر إلى كلامه حيث يقول وأما قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالعبادة كمال المحبة وكمال الخضوع. والخوف والذل، وقدم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، فالأول التبرؤ من الشرك والثاني لتبرؤ من الحول