والخطابة مظهر حضاري للمجتمع الراقي المستنير، يعلو قدرها، ويروج سوقها برقي المجتمع، وانتشار الثقافة فيه، كما أنها تخبو حين ضعفه وذلته.
وثمت جانب في التأثير آخر ينبغي مراعاته، وهو أن تأثير الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو الإفحام، بل مرده إلى إثارة العاطفة، وحمله على الإذعان والتسليم، ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية تساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية، ولكنه بإثارة العاطفة ومخاطبة الوجدان.
ومن هذا فإن الخطيب فد يستغني عن الدلائل العقلية ولكنه لا يمكن أن يستغني عن المثيرات العاطفية، ولعلك تدرك أن أكثر ما يعتمد عليه الخطيب في حمل السامعين على المراد مخاطبة وجدانهم والتأثير في عواطفهم.
إن الخطيب المرموق -كما هو معلوم- يأخذ سامعيه باستدراجه اللبق وكلماته الساحرة وصوته العذب المتردد انخفاضا وارتفاعا وإثارة وهدوءا ينشئ جوا عاطفيا مشحونا، وهذا معين في التأثير لا ينضب ولا يمل.
أما البراهين العقلية فجافة تجلب السآمة.