مهما كانت الأفكار بديعة، والابتكارات متميزة، والاختيارات قوية، والأسلوب رصينا، والإلقاء عاليا، فلن تتحقق المثالية والأنموذجية للخطبة بهذه العناصر وحدها؛ لأن هناك عاملا مهما لا يجوز إغفاله، إنه خصوصية الخطيب وانفراديته، وبعبارة أخرى انصهارية هذه العناصر وانسجامها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الخطيب وشخصيته وتكامل موهبته وخصائصه العلمية والفنية.

إن الخطبة كاللباس المفصل على القامة لا يظهر جماله ولا يتكامل بناؤه إلا بقدر انسجامه على بدن اللابس.

إن جودة اللباس وحسن لونه ونوع خياطته ودقة تفصيله لا تكفي في إعطاء الملبس الحسن إلا بعد اتساق ذلك مع قامة اللابس وبدنه، ولهذا فإن الخطبة الجيدة مستوفية العناصر لو ألقاها غير صاحبها لما ظهرت بذات القوة والتأثير والجمال والتأثر.

إذا كان الأمر كذلك فينبغي للخطيب المتطلع للنبوغ والإبداع أن يعرف مواهبه الخاصة ويحسن صقلها وتنميتها، ويستقل بالابتكار والاختيار والأسلوب والإلقاء، لأن المداومة على التقليد والمحاكاة وإطالة الاقتباس لا تنتج خطيبا متميزا ذا خطب مثالية والله المستعان على الإحسان والإخلاص.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015