أسفرت المحنة إذن - كما تبين آنفًا - عن التمييز بين منهجين معارضين للمعتزلة.
أحدهما: منهج علماء الحديث المتصل بسلسلة طويلة من الأئمة، بادئة بعصر الصحابة والتابعين، ولكن أصبح الإمام ابن حنبل علمًا له واشتهر باسمه بسبب ما لاقاه وحده في المحنة من عذاب وابتلاء، بينما كان موقفه في الحقيقة معبرًا عن طريقة العلماء من معاصريه والسابقين عليه السائرين على طريق السنة.
الثاني: موقف جديد معارض للمعتزلة أيضًا، لكن استخدم طريقة علماء الكلام مع محاولة التوفيق - في رأيهم - بين المنقول والمعقول وقد بدأه أبو الحسن الأشعري، موافقًا مذهب السنة والحديث في أصولهم العامة فأثبت صفات الله تعالى خلافًا للنفاة وإثبات القدر وأن أعمال الناس وغيرهم بمشيئة الله وقدرته، خلافًا لنفاة القدر، وإثباته لفضائل الصحابة لا سيما الخلفاء الأربعة، وموافقته لأهل السنة في عقائدهم في الشفاعة والصراط والميزان. كما قام بالرد على المعتزلة والشيعة والجهمية مبينًا تناقضهم (?) .
ولما كان الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال قد سلك طريقة ابن كلاب، فإننا سنعرض أولاً لعقيدة ابن كلاب، قبل الحديث عن الشيخ الأشعري لمعرفة الصلة بينهما، لا سيما في موقفهما من موضوع كلام الله تعالى.
تروي كتب الفرق أن أبا الحسن الأشعري لما رجع عن الاعتزال سلك طريقة أبي محمد بن كلاب، الذي قام مدافعًا عن عقيدة أهل السنة في مواجهة المعتزلة مبينًا