وقال الأوزاعي: "كان الزهري ومكحول 1 يقولان: أمرّوا الأحاديث كما جاءت" 2 يعني أحاديث الصفات. وروي نحوه: عن وكيع 3 ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم 4.
ولا ريب أن السلف يريدون بذلك تفويض الكيفية، إذ أن المعنى في هذا لا يفوض لأنه مفهوم بالضرورة من لغة العرب 5. فكانوا يفهمون معنى استوى على العرش، واستوى إلى السماء وغيره ويفرقون بين هذه المعاني 6. وأيضاً لو كان مذهب السلف نفي معنى الصفة لما قالوا: بلا كيف، فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضاً قولهم: "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني 7.
ومن قواعد السلف في الإيمان والتنزيه وتفويض الكيفية، قاعدتان كبيرتان:
أولاهما: أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات وإنما أثبتناها لأن التوقيف ورد بها 8.