قال العلامة: محمود شاكر - رحمه الله -: (ثقافةُ كلِّ أمةٍ، وكُلِّ لُغَةٍ؛ هي حصيلةُ أبنائها المثقفين، بقدر مُشتركٍ من أصول وفروع، كلُّها مغموس في الدين المتلقَّى عند النشأة؛ فهو لذلك صاحب السلطان المطلق الخفي على اللغة وعلى النفس وعلى العقل جميعاً، سلطان لاينكره إلا من لايبالي بالتفكُّر في المنابع الأُوَل التي تجعل الإنسان ناطقاً وعاقلاً ومبيناً عن نفسه، ومستبيناً عن غيره.
فثقافةُ كلِّ أمّةٍ مِراءةٌ جامعةٌ في حيِّزها المحدود كلَّ ما تشعَّبَ وتشتّت وتباعد من ثقافة كلِّ فرد من أبنائها على اختلاف مقاديرهم ومشاربهم ومذاهبهم ومداخلهم ومخارجهم في الحياة.
وجوهر هذه المرآة هو «اللغة»؛ و «اللغة» و «الدين» ـ كما أسلفت ـ متداخلان تداخلاً غير قابل للفصل البتَّةَ.
فباطلٌ كلَّ البطلان أن يكون في هذه الدنيا على ما هي عليه، «ثقافة» يمكن أن تكون «ثقافة عالمية»، أي ثقافةٌ واحدةٌ يشترك فيها البشر جميعاً، ويمتزجون على اختلاف لغاتهم ومِلَلهم ونِحَلهم وأجناسهم وأوطانهم. فهذا تَدلِيسٌ كبيرٌ، وإنما يُراد بشيوع هذه المقولة بين الناس والأمم؛ هدفٌ آخرُ يتعلّق بفرض سيطرة أمّةٍ غالبة على أمم مغلوبة، لتبقى تبعاً لها.