من البديهيات المقررة في منهج التربية الإسلامية أن يكون هناك مجتمع مسلم. فكل الجهود المضنية التي تبذل في التربية عرضة لأن تذهب كلها ضياعًا حين لا يوجد هذا المجتمع، أو حين يوجد مجتمع يعادي الفكرة ويعمل على تحطيمها.
وصحيح أن تكوين المجتمع المسلم هو الهدف الأخير من التربية الإسلامية، ولكنه في الوقت ذاته هو الأداة الموصلة إلى تثبيت المفاهيم الإسلامية وتنشئة الأفراد عليها منذ نعومة أظفارهم، حتى ينطبعوا بانطباعاتها، ويكونوا صدى ذاتيًّا للتفاعل معها والتشرب بها.
وهذا التداخل بين الأهداف والوسائل، هو ذاته التداخل بين الفرد والمجتمع وبين الجيل والأجيال. لا تستطيع في أية لحظة أن ترسم حدًّا فاصلًا بين جيل وجيل، ولا بين فرد والمجتمع الذي يعيش فيه هذا الفرد، ولا بين وسيلة من الوسائل والهدف الذي تؤدي إليه الوسيلة.
وطبيعي -في إنشاء مجتمع إسلامي- أننا نبدأ بالفرد، أو بمجموعة أفراد. كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقى الوحي والرسالة، وامتلأت بها نفسه، فتحركت للعمل في واقع الأرض. وتلك سمة الرسالات الكبيرة كلها، وعلى رأسها هذه العقيدة الحية المتحركة التي أودع الله فيها خلاصة الدين كله، وخصائص الرسالات كلها، وأودع فيها من الحيوية والحركة ما استطاعت به أن تثبت جذورها في التربة الجافية القحلة التي لم تكن تركز فيها نبتة سليمة، ثم تمتد في آفاق الأرض بسرعة لا مثيل لها في التاريخ كله.. وما استطاعت به أن تقاوم كل صنوف الكيد والتخريب من التتار مرة ومن الصليبيين مرة ومن الداخل مرات. وما استطاعت به أن تقوم من كل نكسة صادفتها حية متوفرة مستعدة للنماء.