في فطرة الإنسان طاقتان متقابلتان. طاقة الواقع وطاقة الخيال.
وينبغي -لكي يحقق الإنسان كيانه كله - أن تعمل فيه هذه الطاقة وتلك، وأن يمارس نشاطه هنا وهناك.
وقد تقلبت النظم الأرضية في ذلك كثيرًا بين الخيال والواقع، تجنح هنا مرة وهناك مرة، ولا تتوازن في كثير من الحالات.
والعالم اليوم يعاني موجة من "الواقعية" البغيضة! وقد جاءت بعد موجة مغالية في "الرومانتيكية" المغرقة في الخيال!
كلاهما انحراف!
كانت الرومانتيكية تهمل واقع الأرض وتهيم في الأحلام. والواقعية اليوم تتنكب الأحلام عمدًا وتجنح إلى الواقع الصغير المحدود الذي تدركه الحواس، ويمارسه الناس وهم واقعون تحت ضغط الضرورة، لا منفلتين منها ولا مترفعين عليها. واقع المادة وواقع الحيوان! 1.
إن هذا الواقع الصغير الذي رسمت حدوده الداروينية القديمة2 لينتهي بالحياة عند المطالب القريبة التي تحتمها الضرورة، ولا يرتفع عن ذلك، ولا يحلم بما هو أجمل أو أكمل أو أفضل. ومن ثم يظل مستواه يهبط، ويظل محيطه يضيق، حتى يصل في النهاية إلى جعل الإنسان آلة حيوانية، يتصرف كما تتصرف الآلة، وينطلق كما ينطلق الحيوان.