أما دمشق -وهي التي قضى فيها السرمري الثلاثون سنة الأخيرة من عمره - فقد كانت كالقاهرة وريثة لبغداد في رعاية العلم والعلماء (?)، ووجدت فيهما نهضة علمية مباركة متميزة، وأصبحت مصر والشام من ذلك الحين مركزاً للعلوم الإسلامية والعربية.
وهناك عوامل متعددة طرأت كان لها الأثر الواضح في هذه النهضة العلمية من أبرزها:
بعد أن طغى سيل التتار الجارف من أواسط آسيا إلى شمالها مكتسحاً ما أمامه، كان لابد للمسلمين من أن تلتف قلوبهم حول المدافعين عنهم من سلاطين المماليك، وأن يشدوا أزرهم ويدعموا ملكهم، ومن أهم وسائل تدعيم الملك إحياء العلوم والمعارف، فجهد في ذلك علماء المسلمين، وأتوا بما يعد فريداً في بابه، عجيباً في صنعه (?).
نتيجة لما أصاب الأمة في أعز ما تملك وهو تراثها الفكري وذلك في حروبها مع أعدائها الذين خربوا المدارس والمساجد وأحرقوا الكتب والمعاهد ودور العلم، فقد شحذ العلماء والحكام هممهم لتعويض هذا الذي فات بكرة التأليف والتصنيف، وهكذا بدأ عصر الموسوعات والمتون العلمية والشروح على المتون، وهي السمات البارزة في النتاج الثقافي والعلمي خلال القرن الثامن الهجري (?).
ولاشك أن مما عاون على هذه النهضة العلمية في مصر والشام، كثرة من أمّهما من بني الأقطار الإسلامية الأخرى، سواء أكانوا فارين من وجه الطغيان والظلم، أم كانوا طامعين في كرم وحسن إفادتها (?).