الفصل الأول
تاج الدين السبكي
حياته - علومه - مؤلفاته
سأتناول في هذا الفصل حياة تاج الدين السبكي منذ ولادته وحتى وفاته، مستعرضا نشأته ... وحياته العلمية، حتى يتبين للقارئ الجوانب الفكرية والشخصية التي أثرت في تكوين شخصية التاج السبكي العلمية ومدى ارتباطها بسلوكه وإنتاجه العلمي، وحتى يتيسر لي ذلك لا بد أولا من إعطاء فكر ة عامة عن العصر الذي عاش فيه التاج السبكي ومعرفة مدى تأثره أو تأثيره به.
المبحث الأول
عصر الإمام تاج الدين السبكي
تُعدُّ الفترة التي عاش فيها التاج السبكي من أهم مراحل الدولة المملوكية الأولى المسماة ((بالبحرية))، ذلك أنّ التاج قد عاش في الفترة الواقعة ما بين عامي 727هـ و 771هـ، لذا فلا بد أنّ نعطي صورة موجزة توضح لنا ماهية الوضع السياسي والعلمي والاجتماعي في مصر والشام في تلك الفترة، والتي تمثّل في مجملها القرن الثامن الهجري.
تمكّن المماليك - بعد سلسلة من المؤامرات التي كانوا يُحِيكُونها ويُدبِّرونها للسلاطين -
من استلام السلطنة في مصر، وذلك بعد مقتل السلطان تورانشاه (?) آخر ملوك بني أيوب سنة 648هـ (?)، ... وكانت بذلك بداية العهد المملوكي الذي استمر نحو قرنين من الزمان (?).
ولم يكن عهد المماليك بأفضلَ حال من سابقه؛ ذلك أنّ هذا العهد كان يواجهه عدداً من المخاطر على الساحة الخارجية، فالخطر الصليبي ما زال يتهدد العالم الإسلامي، وذلك لوجود بعض القلاع والإمارات الصليبية على سواحل بلاد الشام؛ مما استدعى المماليك أن يأخذوا على عاتقهم عبء استرجاع وتحرير ما تبقى من هذه الإمارات استمراراً لجهود السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة 589هـ إثر هزيمته للصليبيين في موقعة حطين الشهيرة سنة 583هـ.