المطلب الأول: التعريف بمنهاج الوصول.

من المعلوم المقرَّر أنّ المتأخرين من العلماء عامّةً والأصوليين خاصّةً قد اهتمّوا بالمتون والمختصرات اهتماماً بالغاً، وقد مالوا إلى الإكثار منها، حيث وجدنا أكثر أولئك العلماء وضع لنفسه متْناً خاصاً أو اختصر كتاباً كانت له المكانةُ الرفيعة، والقيمةُ العلمية الرَّصينة، حيث جُمِع في هذه المختصرات زُبدة طريقة المتكلمين، ومن ثمّ اقتصر الدور على من بعدَهم على حلّ ألفاظ هذه المتون ... وبيان معانيها ومراميها.

هذا ويُعَدّ كتاب ((منهاج الوصول إلى علم الأصول)) لمؤلفه القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفى سنة685 هـ من أحد أهم المختصرات والمتون في هذا العلم على طريقة المتكلمين؛ وذلك لأنّه قد جمع زُبدة هذا الفن في مختصر دقيق العبارة كثير النفع والفائدة.

يَتّضح ذلك من خلال إلقاء نظرة سريعة على تاريخ هذه الطريقة وأهم المصنفات فيها لتَعرف منزلة ((المنهاج)) من بينها فأقول:

إنّ أهمّ ما صُنّف على طريقة المتكلمين ـ والتي تعدّ أركان هذه الطريقة ـ أربع مصنفات كان مدار جميع الأصوليين فيما بعد عليها ألا وهي (?):

1 - كتاب العُمَد أو العهد للقاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى سنة 415 هـ (?).

2 - المعتمد شرح العُمَد لأبي الحسين البصري المعتزلي المتوفى سنة 463 هـ (?).

3 - البرهان لإمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني الأشعري المتوفى سنة 478 هـ.

4 - المستصفى لحجّة الإسلام الغزالي، الأشعري، تلميذ الجويني، المتوفى سنة 505 هـ.

ثُمّ جاء بعد ذلك الإمام المحقق الكبير فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606 هـ؛ فجمع ما في هذه المصنفات الأربعة مع بعض زيادات وتحقيقات وتدقيقات وتنقيحات في كتابه العظيم ... ((المحصول في علم أصول الفقه)) (?).

فجاء شاملاً لكل ما قيل في هذا الفن مع ما تميّز به الإمام الرازي من حُسْن سَبكٍ للعبارة والإكثار من إيراد الأدلة والاحتجاج، ولم يكن الإمام الرازي مجرّد ناقل فقط بل كان ناقداً بصيراً ومدققاً فاحصاً، وله مؤاخذاتٌ وملاحظاتٌ على كتب سابقيه مما يدلّ على تَبَحُّره في هذا العلم وإحاطته بمسائله، وبذلك استحقّ الإمام الرازي أن يكون إمامَ الأصوليين بلا منازع، وكتابه ((المحصول)) الممثل الحقيقي والنهج الواضح لطريقة المتكلمين (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015