أولاهما: أنّه لا يُتَكلّم في معناها؛ بل يقولون يجب علينا أن نُؤمنَ بها، ونَعتقدَ لها معنىً يَليقُ بجلال الله تعالى وعظمته، مع اعتقادنا الجازم أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنّه منزّه عن التجسيم والانتقال والتحيّز في جهة وعن سائر صفات المخلوق، وهذا هو قول أئمة السلف، وأكثر المتقدمين.

ثانيهما: أنّها تُأول على ما يليق بها على حسب مواقعها، بما ويتفق مع مقتضى لغة العرب وينسجم مع سياقها في النص، وهو مذهب أكثر المتكلمين ومعظم المتاخرين (?).

وقد نظم هذين المذهبين الشيخ إبراهيم اللقاني (?) في ((جوهرة التوحيد)) وهي من أشهر المتون المعتمدة لدى الأشاعرة فقال:

وكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبيها ... أَوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تَنْزِيها (?)

ويرى الإمام تاج الدين السبكي: أنّ أبا الحسن الأشعري لم يُنْشئ مذهباً ولم يبتدع رأياً، وإنّما هو مقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ الانتساب إلى الأشعري إنّما هو باعتبار أنّه عقد على طريق السلف نطاقاً وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه؛ فصار المقتدى به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعرياً (?).

وعلى ذلك فلا يمكن أن يعد الأشاعرة ضمن المبتدعة، ولا يجوز ذمهم ولا الطعن عليهم، بل الابتداع كل الابتداع في مخالفة نهجهم وطريقتهم، يقول التاج السبكي مؤكداً على ذلك: ((وهذه المذاهب الأربعة ولله الحمد في العقائد يد واحدة إلا من لحق منها بأهل الاعتزال أو التجسيم، وإلا فجمهورها على الحق، يُقِرّون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفاً وخلفاً بالقبول، ويدينون الله برأي شيخ السنة أبي الحسن الأشعري، الذي لم يعارضه إلا مبتدع)) (?).

والإمام تاج الدين السبكي، يصرّح في أكثر من موضع في كتاباته بانتسابه إلى الأشعري عقيدة، وهو كثير الإجلال والتعظيم له، فمن الأدلة على ذلك قوله في حق الشيخ أبي الحسن في ترجمة حافلة له خَرّجَها التاج في الطبقات الكبرى: ((شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى، ... شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين، سعياً يَبْقى أَثَرهُ إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين)) (?).

كما أنّه عقد فصلاً خاصاً في بداية كتابه الطبقات، بيّن فيه مسائل الإيمان والإسلام، وهل يزيد الإيمان وينقص أم لا، مقرراً في ذلك كله معتقد الأشاعرة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015