وكان التاج السبكي حريصا كل الحرص على أن يثبت آراء الإمام الرازي في كل مسألة تقريبا، فلا تكاد تخلو مسألة ما إلا ويبين رأي الإمام الرازي فيها، هذا بالإضافة إلى اعتماده عليه كثيرا في شرح وتقرير عبارات المصنفين، وبخاصة في شرحه على ((منهاج)) البيضاوي، حيث أكثر من النقل عنه في كتاباته حيث بلغ عدد هذه النقول حوالي ستمئة وأربعة وعشرين موضعا (624) وأظن أن هذا العدد الضخم من النقل أكبر دليل على الأثر الذي تركه الإمام الرازي في التاج السبكي.

غير أنه من السمات البارزة للتاج السبكي في هذا المجال أنه لم يكن يأخذ آراء الإمام الرازي كمسلمات، ولا يرى حرجا في انتقاده والرد عليه، ومن هنا فقد حوت مؤلفاته العديد من المناقشات والردود على الإمام الرازي، فمن ذلك:-

قوله في بيان رد البيضاوي على دليل المانع من جواز تخصيص المتواتر بالآحاد: ((أنه لو جاز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد لجاز نسخهما به، واللازم منتف بالاتفاق على أنه لا يجوز نسخ المتواترة بخبر الواحد، ... وأجاب [أي البيضاوي] بأن التخصيص أهون من النسخ، لأن النسخ يرفع الحكم بالكلية، بخلاف التخصيص ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف أن يكون مؤثرا في الأقوى [قال التاج السبكي معقبا]: وهذا الدليل وجوابه يمشيان على طريقة المصنف فإنه قال لا ينسخ المتواتر بالآحاد، وهي طريقة فيها كلام، لأن جماعة نقلوا الاتفاق على الجواز وجعلوا محل الخلاف في الوقوع وجماعة جزموا بالجواز من غير حكاية خلاف كالإمام وغيره ... فالعجب ليس من المصنف لأنه مشى على طريقته وهي صحيحة ... بل من الإمام حيث لم ينبه على ذلك إذ ذكر الدليل والجواب.)) (?)

كما أنه كان يصرح في عدد لا بأس به من المسائل باختيار يخالف فيه الإمام فمن ذلك: قوله: ((المناسبة تنخرم بمفسدة تلزم راجحة أو مساوية خلافا للإمام.)) (?)

رابعاً: والده الشيخ تقي الدين السبكي:

اهتم التاج السبكي بتضمين آراء والده واختياراته الأصولية في مصنفاته؛ لذا وجدته يذكر في عدد لا بأس به من المسائل آراء والده وخاصة في كتابه ((جمع الجوامع)) الذي كان من أهداف وضعه إبراز جهود والده واختياراته في هذا العلم.

وكان التاج السبكي كثيراً ما يباحث والده في بعض المسائل الأصولية ويسأله عنها، كما كان يعرض عليه ما يصنفه ويخطه في مصنفاته ويستفيد من توجيهاته في ذلك، ويثبتها في ثنايا مصنفاته.

وأهم ميزة له في هذا المجال هو الإطالة في النقول التي كان ينقلها التاج عن والده حيث كان يتجاوز النقل عنه في بعض الأحيان الصفحة وأكثر، ومن ذلك ما نقله عنه في مسألة النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، حيث نقل جواب والده على سؤال أورده له في ذلك وأخذ هذا الجواب حوالي خمس صفحات من صفحة (75 - 80) من كتابه ((الإبهاج)) في الجزء الثاني، وقد بلغ عدد النقول التي سطرها التاج السبكي عن والده حوالي مئتين وخمسة مواضع (205) أكثر هذه النقول كان موافقا له فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015