ومنها قوله في مسألة المخطئ في الاجتهاد بياناً لقوله في ((جمع الجوامع)) ((وحيث قصَّر يأثم وفاقاً)) (?) قال: ((فإشارة إلى أنّ من قصّر يأثم سواء في ذات القطع أو غيرها، وعبارة ابن الحاجب مخطئ آثم (?)، ونحن حذفنا لفظ مخطئ لأنّه إن أراد مخطئ في الحكم، فلسنا على يقين من ذلك؛ إذ يحتمل أنّه أخطأ وأنّه أصاب، ولكنّه يأثم لتقصيره، وقد يكون مع ذلك أصاب كواجد دفينٍ، وإن أراد مخطئ في نفس الاجتهاد، فهذا لا حديث فيه، فقد لاح بشرح هذه المسئلة وجه عدولنا عن ألفاظ غيرنا)) (?).
2 - بيان منهجه في ((جمع الجوامع)): بيّنَ التاج السبكي في ثنايا هذا الكتاب المنهج الذي اتبعه في تصنيفه ((لجمع الجوامع)).
فمن ذلك قوله: ((ونحن أبداً نشير بلفظ لو إلى خلاف؛ فإن قوي أو تحقق صرّحنا به؛ وإلا اكتفينا بهذه الإشارة فاعرف ذلك)) (?).
3 - ذكره أموراً لم يذكرها في كتبه الأخرى: مما تميز به التاج السبكي أنّه كان يضيف في هذا الكتاب أموراً ومباحث لم يتعرّض لها في كتبه الأخرى.
فمن ذلك قوله - بعد بيان أنّ انتفاء المعارضة في الفرع لا يقدح في العلّة -: ((وأنا أرى أن أذكر أمثلة ما يقتضي نقيض الحكم، وضده، وخلافه؛ فإنّي لم أذكر ذلك في ((شرح المختصر)))) (?)، ثمّ ذكر أمثلة على النقيض والضد والخلاف فجاءت في أربع صفحات من الكتاب من صفحة 385 - 389.
4 - التنبيه على مسائل لم يذكرها غيره: إنّ التاج السبكي ذو شخصية أصولية مستقلة، لذا وجدته كثير الاستدراك على السابقين، وله اجتهادات يخالف فيها غيره مما انفرد هو به، وقد كان في مصنفاته عامة يبين ذلك، ومن هذه المصنفات ((منع الموانع))؛ فقد بين في غير موضع بعض المسائل التي انفرد بها.
ومن ذلك قوله في بيان معنى المعارضة: ((وهو تَحقِيقٌ وفَهْمٌ حَسَنٌ عن الأولين، لم يذكره غيري، وقد حَرّرته في شرح ((المختصر))، وبيّنتُ أنّ المعارضة تُطلَق ويُراد بها معنيان: مُعارِض منافٍ، ومُعارِض لا ينافي)) (?).
هذه أهم الميزات التي امتاز بها التاج السبكي في ((منع الموانع))، وأنت ترى أنّ أكثرها له تعلُّق ((بجمع الجوامع))، وذلك لأنّ هذا الكتاب يعدّ كالشرح له.
لذا فإنّه لا بد لدارس كتاب ((جمع الجوامع)) أن يستعين ((بمنع الموانع)) إذ هو كالمكمل له ... والمبين لكثير من مجمله وما أُشكل فهمه، فلا يُقرأ ((جمع الجوامع)) إلا مع ((منع الموانع))؛ وبذلك تحصل الفائدة المرجوة، والله تعالى أعلم.
لم يكثر التاج السبكي في هذا الكتاب من النقول عن الآخرين والعلماء السابقين، فكانت مصادره في هذا الكتاب قليلة نسبياً بالمقارنة مع كتبه الأخرى.