قلت: مثل هذه العبارات لا تَصدُرُ إلا عن تلميذ مُحبٍّ مُنتَمٍ لشيخه أيما انتماء، وقد ثبت أنّ العيزري - وهو من تلامذة التاج السبكي - قد أرسل لشيخه إيرادات على ((جمع الجوامع)) فربما تكون هذه الأسئلة هي ذاتها التي أرسلها العيزري والله تعالى أعلم.
لقد جاء الكتاب على ثلاثة أقسام من الأسئلة:
القسم الأول منها: عبارة عن ثلاثة وثلاثين سؤالاًَ وردت إليه ولم يبيّن فيها اسم المرسل، وقد مِلْتُ إلى كونها من شمس الدين العيزري، وقد أجاب عنها التاج السبكي سنة اثنتين وستين وسبعمائة للهجرة 762 هـ (?).
القسم الثاني من الأسئلة: عبارة عن أسئلة أرسل بها السيد جمال الدين حمد الخراساني. قال التاج السبكي: ((وهذه أسئلة أخرى على ((جمع الجوامع))، بعث بها إليّ الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف جمال الدين، حمد بن عبد الله الخراساني، نفع الله به حين ورد علينا من مدينة حلب، ... وأَرسَلتُ له جوابها، ثمّ أرسل إليّ جواب الجواب معترفاً بصحة بعضه منازعاً في بعضه الآخر، وإن حَكَيتُ المراسلات الثلاث بلفظها طال، ولكنّي أختصر مستوعبا)) (?).
وأما القسم الثالث: فهي الأسئلة التي وردت عليه أثناء التدريس، قال التاج السبكي: ((وهذه سؤالات وقعت في الدرس مفرقة)) (?).
وبهذا ترى أنّ هذا الكتاب إنّما جاء رداً على أسئلة محددة وردت على ((جمع الجوامع)) وبعض مسائل أصول الفقه عامة، وقد صرّح التاج السبكي باسم أحد مرسلي هذه الإيرادات، وذكر أنّ بعضها وقع عليه أثناء الدرس، ولم يصرّح باسم مرسل القسم الأول.
وأما بالنسبة لترتيب الكتاب فظاهر أنّ التاج السبكي قد رتبه بحسب ترتيب المرسل في الأسئلة الأولى والثانية، وبحسب ترتيب وقوعها عليه أثناء التدريس في الثالثة.
قال التاج السبكي مبيناً ذلك في القسم الثالث من الأسئلة: ((فأنا أذكرها على ترتيب وقوعها عليَّ لا على ترتيب الكتاب فإذا انضمت إلى ما تقدم من الأسئلة والأجوبة، هي وأجوبتها كان المجموع كتاباً مستقلاً مسمى ((بمنع الموانع عن جمع الجوامع))، ينتفع به حافظ ((جمع الجوامع)) فإنّ ذلك كالشرح لمشكل الكتاب)) (?).
وقال بعد ذكره سؤالات القسم الأول: ((وقد وَرَدتْ عليّ هذه الأسولة، وكثير منها لا يختص به [أي ((جمع الجوامع))]؛ فأَخذَتُ في جوابها جميعاً، حُبّاً للعلم وطلبه، ورغبةً في إزالة مُشتَبِكٍ ومُشتَبِهٍ، وضَممْتُ إليها بعد ذلك سؤالات أُخَر وردت من جنسها؛ فأجبت عنها بما أرجو أن يطمئن به القلب ويَقِرَّ البصر)) (?).
وقال بعد الإجابة على القسم الأول: ((هذه أجوبة هذه الأسئلة، وأنت ترى أكثرها لا اختصاص له بكتابنا ((جمع الجوامع))، بل هي أسئلة تتعلَّق بالفن من حيث هو، ونحن أجبنا عنها، وكنا قادرين على دفع ما لا يتعلَّق منها بخصوص الكتاب، وذلك حباً للفائدة من حيث هي)) (?).