وقد استعرض ابن عاشور فى تفسيره لهذه الآية تاريخ البابية والبهائية ومزاعمهما فى استمرار النبوة والوحى، والمسلمون مجمعون على أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، ومن ادّعى نبوة أو وحى بعده- صلوات الله عليه- خارج عن ملة الإسلام، وتجرى عليه أحكام المرتد ولا يرث مسلما، ويرثه جماعة المسلمين، وانتهى ابن عاشور إلى ان البهائية عدت فى الأديان والملل ولم تعد فى الأحزاب.
وأمثال هؤلاء الغلاة من البابية والبهائية وغيرهما يستغلون أصحاب العقول الغائبة لتحقيق أغراض نفعية، أو أنهم يحاولون محاربة الإسلام بمثل هذه الدعاوى الباطلة، والملحوظ فى تاريخ المذاهب الاعتقادية التى تخلو من المغالاة أو التطرف أنها قد انتجت فكرا وعلما وعملا، فالتصوف السنى كانت ميادينه المهمة الإشارات والأخلاق والزهد والمحاولات المستمرة فى التوفيق بين الحقيقة والشريعة، والمعتزلة كانوا أرباب المعانى والبيان، والدفاع عن الدين بالأدلة العقلية، والمعتدلة من الشيعة الاثنى عشرية خصوصا بعد القرن الثالث الهجرى قد وجّهوا نقدا شديدا للنزعة الإخبارية فى تفسير القرآن الكريم، وهى نزعة تعتمد على أقوال مغالى فيها منسوبة لأئمة آل البيت النبوى الكريم، ومن ثم استعانوا بوسائل جديدة على المذهب الإمامى فى ميدان التفسير القرآنى من مثل الحديث النبوى سواء من طرقهم، أو من طرق كتب الصحاح عند أهل السنة بشروط ارتضوها، كما استعانوا بأقوال الصحابة والتابعين والقصص والإسرائيليات وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ فضلا عن اللغة والشعر والأعراب وغير ذلك من وسائل التفسير بالرواية، أو الدراية، كما أخرج علماء هذا المذهب إلى الساحة الفكرية فنونا متنوعة فى سائر العلوم الأخرى.