«تعرضت هذه الآية لقصة من قصص بنى إسرائيل ظهر فيها من قلة التوقير لنبيهم ومن الإعنات فى المسألة والإلحاح فيها، إما للتعصى من الامتثال، وإما لبعد أفهامهم عن مقصد الشارع ورومهم التوقيف على ما لا قصد إليه.
قيل إن أول هذه القصة هو المذكور بقوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها (?) الآيات، وإن قول موسى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ناشئ عن قتل النفس المذكورة، وإن قول موسى قدم هنا لأن خطاب موسى عليه السلام لهم قد نشأ عنه ضرب من مذامهم فى تلقى التشريع وهو الاستخفاف بالأمر حين ظنوه هزؤا والإعنات فى المسألة، فأريد من تقديم جزء القصة تعدد تقريعهم، هكذا ذكر صاحب الكشاف والموجهون لكلامه، ولا يخفى أن ما وجهوا به تقديم جزء القصة لا يقتضى إلا تفكيك القصة إلى قصتين تعنون كل واحدة منهما بقوله:" وإذ" مع بقاء الترتيب، على أن المذام قد تعرف بحكايتها والتنبيه عليها بقوله أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ وقوله وَما كادُوا يَفْعَلُونَ.
فالذى يظهر لى أنهما قصتان أشارت الأولى وهى المحكية هنا إلى أمر موسى إياهم بذبح بقرة، وهذه هى القصة التى أشارت إليها التوراة فى السفر الرابع، وهو سفر التشريع الثانى (تثنية) فى الإصحاح 21 أنه «إذا وجد قتيل لا يعلم قاتله فإن أقرب القرى إلى موقع القتيل يخرج شيوخها ويخرجون عجلة من البقرة لم يحرث عليها ولم تنجر بالنير فيأتون بها إلى واد دائم السيلان لم يحرث ولم يزرع ويقطعون عنقها هنالك ويتقدم الكهنة من بنى لاوى فيغسل شيوخ تلك القرية أيديهم على العجلة فى الوادى ويقولون لم تسفك أيدينا هذا الدم ولم تبصر أعيننا سافكه فيغفر لهم الدم» (?) أ. هـ