وعلي بن المديني وإسحاق بن رَاهَويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحدٌ من المسلمين. قال البخاري: " من الناس بعدهم؟!. وروى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن رَاهَويَهْ قال: " إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر".
قال النَّووي: " وهذا التشبيه نهاية في الجلالة من مثل إسحاق " (?).
مما سبق يتبين لنا أن لنقد الأحاديث أهمية كبرى لمعرفة الغث من الثمين منها، وتمييز الصحيح الراجح من الأحكام الشرعية التي عليها مدار الدين، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، وثمة فرق شاسع، وبون عظيم، بين نقد علماء الحديث للأخبار والمرويَّات، وبين أولئك المستشرقين الذين لم يكن لهم هم إلا الطعن في هذه الأخبار والآثار، لتأسيس منهج جديد مخالف لأصول أهل العلم وجهابذة هذا الفن ليكون ذريعة لمن في قلوبهم مرض ليسيروا خلفهم، وينتهجوا مناهجهم، للتشكيك في دين الله، وضرب المصدر الثاني في الإسلام، وفي هذا ما فيه من تنكب الأفهام، والانتكاس عن الجادة، والتسور على الكبار، لكن هيهات هيهات، وشتان بين الثرى والثريا، فإن الله عز وجل حفظ الدين بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (?)، والقرآن ذكرٌ قد دلت عليه آيات كثيرة منها قوله: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (?) والسنة والأحاديث النبوية الشريفة ذكر كذلك فقد قال الله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (?)، فحفظ الله القرآن والسنة معاً إلى قيام الساعة، ولن ينال هؤلاء من القُرآنِ ولا من السُّنةِ الشريفةِ أبداً، والله سبحانه وتعالى الموفق، فله الحمد والمنَّة.