وفيه ترجيح رواية الثقات على رواية الثقة إذا خالفهم في الإسناد، وأما قوله وأخرجه مسلم فوهم من الدارقطني رحمه الله، فإن مسلم لم يخرج الحديث، وإنَّما أخرجه البخاري في صحيحه، والنَّسائي في السنن كما ذكرنا آنفاً.
2. الدليل على أنَّهم كانوا يعتبرون مخالفة الثقة للضعيف في إعْلال المرويَّات:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني في العلل: " وسُئل - الدارقطني - عن حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فَضَلُ العَالمِ عَلَىَ العَابِدِ سَبْعُونَ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ حُضَر جُوادٍ مِائَةَ عَامٍ)) " (?).
فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري واختلف عنه فرواه: هشام بن سعد، عن الزهري مرسلاً عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال مبشر بن إسماعيل، عن عبدالله بن محرر، عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمرسل أصح" (?).
قلتُ: ووجه ذلك أنَّ الحديث مداره على الزهري، رواه عبدالله بن محرر، عن الزهري مرفوعاً، ورواه هشام بن سعد، عن الزهري مرسلاً. وقد رجَّح الدارقطني حديث هشام بن سعد المرسل على مرفوع عبدالله بن محرر وهو ضعيف، فقد قال ابن معين: ليس بثقة وضعفه (?)، وقال ابن أبى حاتم: سألت أبا زُرعة عن عبدالله بن محرر؟ , فقال ضعيف الحديث , وامتنع من قراءة حديثه , وضَرَبْنَا عليه، وقال أبو حاتم: متروك الحديث منكر الحديث , ضعيف الحديث ترك حديثه عبدالله بن المبارك (?)، أما هشام بن سعد فمختلف فيه