لمنقول أقرانها من الصحابة معروفة، وكذلك طلبها لعرض مرويات الراوي عليه من حين إلى آخر لاختبار حفظه وضبطه وسلامة مرويه من زيادة أو نقصان1، وهذا ابن عباس رضي الله عنه لما فطن لوقوع الكذب على رسول الله يدع رواية أهل التهمة والريبة، وكذلك نقده للمروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القضاء والعلم ورده للأباطيل المروية عنه في ذلك أيضاً معروف ومشهور2. وقد درج على هذا النهج أئمة التابعين، فتابعيهم، فتبع أتباعهم إلى أن شب هذا العلم وترعرع.

ومن أهم مباحث هذا العلم وأشدها تعلقاً بتحصيل الغاية المنشودة من علم الحديث معرفة علل الأحاديث، وهو فن دقيق إذ به ينكشف مداخل الوهم والخطأ في مرويات الثقات الغالب على منقولهم السلامة والاستقامة، ولدقته لم يتحقق إلا لزمرة يسيرة من العلماء صاروا بذلك أئمة يقتدى بهم، وحجة يرجع إليهم. وإن استمداد هذا العلم الشريف من كلام هؤلاء الأئمة ومناهجهم، وبمطالعة ذلك وتدبّره يحصل لطالب علم الحديث أهلية الكلام في هذا الفن الدقيق. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "ولا بدّ في هذا العلم من طول ممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدمت المذاكرة به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين، كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد، وعلي بن المديني وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه، وفقُهتْ نفسُه فيه، وصارت له قوةُ نفسٍ وملَكةٌ، صلُح له أن يتكلّم فيه"3.

وإن من جهابذة هذا العلم بلا نزاع ومحققيه بلا مِراء الإمام أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وكلامه في الإعلال ومسالك العلة مبثوث فيما نقل عنه في كتب شتى ككتابه العلل ومعرفة الرجال، وبعض كتب مسائله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015