روايته، كان هو أجدر أن يكون للرواية أهيب، وبهذا يسلم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يتطرق إليه الكذب، ولا يزاد عليه ما ليس منه1.
وروى الخطيب عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال: سمعت معاوية على المنبر بدمشق يقول: "يأيها الناس، إياكم وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا حديثًا كان يذكر على عهد عمر -رضي الله عنه- فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل"2.
وإلى هذا المعنى الذي ذكرناه ذهب عمر في طلبه من أبي موسى الأشعري أن يحضر معه رجل يشهد أنه سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث السلام؛ لكن فعله على الوجه الذي بيناه من الاحتياط؛ لحفظ السنن والترهيب في الرواية، والله أعلم. انتهى3.
فلقد كان الصحابة جميعًا يتثبتون في الحديث، ويتأنون في قبول الأخبار وأدائها، وكانوا لا يحدثون بشيء إلا وهم واثقون من صحته، وقد حرصوا على المحافظة على الحديث بكل وسيلة تقضي إلى ذلك، فاتبعوا منهجًا سليمًا يمنع الشوائب من أن تدخل السُّنة النبوية فتفسدها.
وتميز في حمل لواء هذه المحافظة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقد ظهر لنا -مما رُوى عنه- اهتمامه الكبير بالسُّنة النبوية وإجلاله للحديث الشريف، وإن الأخبار التي رُويت عنه في هذا الشأن ليدعم بعضها بعضًا في سبيل نشر العلم والحرص على سلامة السُّنة؛ ومن ثَم ليس لأحد أن يرى تناقضًا بين وصية عمر لأهل العلم والآثار الأخرى المروية عنه، فهو إذا طلب الإقلال من الرواية، فإنما يطلبه من باب الاحتياط لحفظ السنن والترهيب في الرواية، وأما من كان يتقن ما