وكذلك كان علي -رضي الله عنه- يفعل، فروى الترمذي في سننه عن أسماء بن الحكيم الفزاري قال: سمعت عليًّا يقول: إني كنت رجلًا إذا سمعتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف صدقته، وإنه حدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من رجل يذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له" الحديث1.
الخامس: ومن مظاهر هذا التشدد أيضًا أن بعضهم حَرَصَ على ألا يأخذ حديثًا منقطعًا لم يسمعه ناقله من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا بيَّن إسناده الموصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك حديث مسلم الذي رواه أربعة من الصحابة: عمرو بن السعدي عن حُويطب، عن السائب، عن عمر بن الخطاب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- العطاء فيقول عمر: أعطِه يا رسول الله أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموَّلْه أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تُتْبِعهُ نفسَك" 2.
وقال النووي في شرحه للحديث: "وقد جاءت جملة من الأحاديث فيها أربعة صحابيون يروي بعضهم عن بعض، أو أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض"3.
السادس: ومن مظاهر الحيطة التوقف في قبول الحديث وعرضه على القرآن الكريم: مثاله: إنكار السيدة عائشة -رضي الله عنها- حديث عمر: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"؛ حيث فهم سيدنا عمر -رضي الله عنه- أن ذلك عام، وأن التعذيب بسبب بكاء الأهل على الميت، فأنكرت عليه ذلك، وقالت: إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في يهودية