قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمَ الْمَخْلُوقِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلْقٌ آخَرُ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ.
قَدْ أَجَابَهُ النَّاسُ بِأَجْوِبَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِقِدَمِ الْخَلْقِ دُونَ الْمَخْلُوقِ، وَعَارَضُوهُ بِالْإِرَادَةِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مُحْدَثٌ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ الْخَلْقُ، وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ.
وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ عِنْدَهُ كُلَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ، فَإِذَا لَمْ يَفْتَقِرْ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَى خَلْقٍ عِنْدِهِ، فَأَنْ (?) لَا يَفْتَقِرُ الْخَلْقُ الَّذِي بِهِ خُلِقَ الْمَخْلُوقُ إِلَى خَلْقٍ أَوْلَى، وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: الْخَلْقُ قَائِمٌ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَائِمٌ لَا فِي مَحَلٍّ، كَمَا يَقُولُ الْبَصْرِيُّونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْإِرَادَةِ.
وَطَائِفَةٌ الْتَزَمَتِ التَّسَلْسُلِ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ صِنْفَانِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُودِ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّادٍ (?) وَأَصْحَابِهِ.