وَلِهَذَا تَدْخُلُ " مِنْ " هَذِهِ فِي النَّفْيِ لِتَحْقِيقِ نَفْيِ الْجِنْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الطُّورِ: 21] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 62] ، وَقَوْلِهِ (?) .: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 47] .
وَلِهَذَا إِذَا دَخَلَتْ فِي النَّفْيِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا أَفَادَتْ نَفْيَ الْجِنْسِ قَطْعًا، فَالتَّحْقِيقُ مَا ذُكِرَ، وَالتَّقْدِيرُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 62] ، [وَقَوْلِهِ] (?) . {لَا رَيْبَ فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ " مِنْ " مَوْجُودَةً، كَقَوْلِكَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا، فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَلَكِنْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى بِهَا الْوَاحِدُ مِنَ الْجِنْسِ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا بَلْ رَجُلَيْنِ، فَتَبَيَّنَ (?) . أَنَّهُ يَجُوزُ إِرَادَةُ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ نَفْيَ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا دَخَلَتْ " مِنْ " فَإِنَّهَا تَنْفِي نَفْيَ الْجِنْسِ قَطْعًا (?) .
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ: مَنْ أَعْطَانِي مِنْكُمْ أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، عُتِقُوا كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْكُنَّ مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَبْرَأْنَهُ كُلُّهُنَّ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ: " مِنْكُمْ " بَيَانُ جِنْسِ الْمُعْطَى وَالْمُبَرَّئِ لَا إِثْبَاتُ هَذَا الْحُكْمِ لِبَعْضِ الْعَبِيدِ وَالْأَزْوَاجِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا كَمَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْمَذْكُورِ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ