[سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، وَلَا قَالَ: قَاتِلُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، بَلْ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ، أَوْ يُسْلِمُونَ، ثُمَّ إِذَا قُوتِلُوا فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.
فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: {تُقَاتِلُونَهُمْ} مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، لَكِنْ يُقَالُ قَوْلُهُ: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] كَلَامٌ حُذِفَ فَاعِلُهُ فَلَمْ يُعَيَّنِ الْفَاعِلُ الدَّاعِي لَهُمْ إِلَى الْقِتَالِ، فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى وُجُوبِ الطَّاعَةِ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يُقَاتِلُونَهُمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، ثُمَّ قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَعُثْمَانُ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ الْبَرْبَرِ وَنَحْوِهِمْ، وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ هَذَا الدُّعَاءَ كُلَّهُ.
أَمَّا تَخْصِيصُهَا بِمَنْ دَعَاهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ (?) طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَا عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَخَطَأٌ، بَلْ إِذَا قِيلَ: تَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا كَانَ هَذَا مِمَّا يُسَوَّغُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ (?) وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِهَا، وَلِهَذَا وَجَبَ قِتَالُ الْكُفَّارِ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ دَعَا إِلَى قِتَالِهِمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ تُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أَعْظَمُ مِنَ الْعَرَبِ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا، وَإِمَّا أَنْ يُقَاتَلُوا بِخِلَافِ مَنْ دُعُوا إِلَيْهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّ بَأْسَهُمْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدًا مِثْلَ هَؤُلَاءِ وَدُعُوا إِلَيْهِمْ فَفِي ذَلِكَ لَمْ يُسْلِمُوا وَلَمْ يُقَاتَلُوا.