فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ الْخَوْفُ طَاعَةً فَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً فَقَدْ عَصَى.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَثْبُتَ، لِأَنَّ الْخَوْفَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ فَإِذَا حَصَلَ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ زَالَ الْخَوْفُ.

فَقَوْلُهُ لِمُوسَى {وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [سُورَةُ طه: 21] هُوَ أَمْرٌ مَقْرُونٌ بِخَبَرِهِ بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [سُورَةُ طه: 67، 68] هُوَ نَهْيٌ عَنِ الْخَوْفِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ.

* وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِدِّيقِهِ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ * (?) وَهُوَ قَوْلُهُ.

إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَإِذَا حَصَلَ الْخَبَرُ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ زَالَ وَإِلَّا فَهُوَ تَهَجُّمٌ عَلَى الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.

وَهَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ مَدْيَنَ لِمُوسَى لَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 25] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] قَرَنَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُزِيلُهُ مِنْ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ هُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] مَقْرُونٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] وَإِخْبَارُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمْ يُوجِبُ زَوَالَ الضَّيِّقِ مِنْ مَكْرِ عَدُوِّهِمْ.

وَقَدْ قَالَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ بَدْرٍ: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 126] .

وَيُقَالُ: ثَالِثًا: لَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنِ الْحُزْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ قَدْ يَنْهَى عَنْهُ لِئَلَّا يُوجَدَ إِذَا وُجِدَ مُقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُهُ مَعْصِيَةً لَوْ وُجِدَ فَالنَّهْيُ قَدْ يَكُونُ نَهْيَ تَسْلِيَةٍ وَتَعْزِيَةٍ وَتَثْبِيتٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَعْصِيَةً، بَلْ قَدْ يَكُونُ مِمَّا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُنْهَى وَقَدْ يَكُونُ الْحُزْنُ مِنْ هَذَا الْبَابِ.

وَلِذَلِكَ قَدْ يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ إِفْرَاطِهِ فِي الْحُبِّ وَإِنْ كَانَ الْحُبُّ مِمَّا لَا يُمْلَكُ وَيُنْهَى عَنِ الْغَشْيِ وَالصَّعْقِ وَالِاخْتِلَاجِ وَإِنْ كَانَ هَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَحْظُورًا.

فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ قَدْ نُهِيَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ.

قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالضِّدِّ الْمُنَافِي لِلْحُزْنِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اكْتِسَابِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَرْسِلُ فِي أَسْبَابِ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ وَسُقُوطِ بَدَنِهِ فَإِذَا سَعَى فِي اكْتِسَابِ (?) مَا يُقَوِّيهِ ثَبَتَ قَلْبُهُ وَبَدَنُهُ، وَعَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015