أَكْمَلُ مِنْ حَزْنِ فَاطِمَةَ، فَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا عَلَى حُزْنِهِ، فَفَاطِمَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَأَبُو بَكْرٍ أَحَقُّ بِأَنْ لَا يُذَمَّ عَلَى حُزْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُزْنِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَإِنْ قِيلَ: أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا حَزِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَقْتُلُهُ الْكُفَّارُ.
قِيلَ: فَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ إِنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُ، وَكَانَ اسْتَصْحَبَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ.
وَقِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ بِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ يُقَالُ هَبْ أَنَّ حُزْنَهُ كَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْتَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ حَزِنَ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلَهُ عَدُوُّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ هَذَا السَّبَّ.
ثُمَّ إِنْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ ذَنْبٌ فَلَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ، بَلْ لَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ انْتَهَى فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ انْتَهَوْا عَنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا مَذْمُومِينَ بِمَا فَعَلُوهُ قَبْلَ النَّهْيِ.
وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ يَنْقُلُونَ عَنْ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ مِنَ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ عَلَى فَوْتِ مَالِ فَدَكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَهُ إِنَّمَا يَحْزَنُ عَلَى فَوْتِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 23] فَقَدْ دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ لَا يَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُزْنَ عَلَى الدُّنْيَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى الدِّينِ.