مِنْ شَجَاعَةِ عَنْتَرَةَ، وَمِنْ سَخَاءِ حَاتِمٍ، وَمِنْ مُوَالَاةِ عَلِيٍّ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فِيهَا الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ عَلَى مَقْصُودٍ وَاحِدٍ.
وَالشَّكُّ فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَأَشَدَّ، وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يُنْكِرُ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَدْفُونَيْنِ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَبَعْضُ غُلَاتِهِمْ يُنْكِرُ أَنَّ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَهُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْغَارِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُهْتَانِهِمْ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَوْمُ بُهْتٍ يَجْحَدُونَ الْمَعْلُومَ ثُبُوتَهُ (?) بِالِاضْطِرَارِ، وَيَدَعُونَ ثُبُوتَ مَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ بِالِاضْطِرَارِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ.
وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: لَوْ قِيلَ: مَنْ أَجْهَلُ النَّاسِ؟ لَقِيلَ: الرَّافِضَةُ حَتَّى فَرَضَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ \ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ: فِيمَا إِذَا أَوْصَى (?) لِأَجْهَلِ النَّاسِ؛ قَالَ: هُمُ الرَّافِضَةُ، لَكِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ لَا يَكُونَانِ (?) مَعْصِيَةً، بَلْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَكُونُ مَذْمُومَةً فِي الشَّرْعِ. وَالْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ لِأَجْهَلِ النَّاسِ فِيهِ جَعْلُ (?) الْأَجْهَلِيَّةِ وَالْبِدْعِيَّةِ مُوجِبَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَكْفَرِ النَّاسِ، أَوْ لِلْكَفَّارِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ الْكُفْرُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ.
وَكَوْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ مُوَالِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ؛ أَمْرٌ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَالْأَبْرَارُ وَالْفُجَّارُ حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ طَائِفَةً مِنَ الزَّنَادِقَةِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ النَّبِيُّ - صَلَّى