بِالْكَذِبِ كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى الْخِيَانَةِ وَتَرْكِ الْوَفَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ [مِنْ] (?) آيَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ: " «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (?) .
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ إِذَا أَدَّاهَا الشَّاهِدُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ وَأَدَّى الْوَاجِبَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَا يُؤَدِّيهِ إِلَّا بِالسُّؤَالِ كَمَنْ لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ، فَأَدَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَدَاءَهَا حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا صَاحِبُهَا وَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُحْوِجَ صَاحِبَهَا إِلَى ذُلِّ السُّؤَالِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ.
وَهَذَا يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي الْخَصْمِ إِذَا ادَّعَى وَلَمْ يَسْأَلِ الْحَاكِمَ سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ (?) وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى سُؤَالِ الْمُدَّعَى، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تُغْنِي عَنِ السُّؤَالِ.
فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: " «هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ "، ثُمَّ قَالَ: " هَلْ فِيكُمْ [مَنْ رَأَى] (?) مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -؟ "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّائِيَ هُوَ الصَّاحِبُ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ فِي السُّؤَالِ (?) : " هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ [مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ؟] (?) "، ثُمَّ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ الرَّائِيَ.