وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ وَغَيْرِهِ: هَذِهِ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» "؛ بَلْ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُمَا فِي اللَّفْظِ كَمَا ظَهَرَ فِي الْمَعْنَى فَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ " فَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: " وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ " فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ مُضَافٌ تَحْقِيقًا (?) لِقَوْلِهِ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} "، «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: " أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ " فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي امْتَازَهُ بِهِ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؛ فَيُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَيَوْمًا وَجُمُعَةً وَشَهْرًا وَسَنَةً وَصَحِبَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] قِيلَ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ وَكِلَاهُمَا تَقِلُّ صُحْبَتُهُ [وَتَكْثُرُ] (?) ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 101] .
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " الرِّسَالَةِ " الَّتِي رَوَاهَا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ