بِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (?) مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ تُوجِبُ الْوَعِيدَ وَلَكِنْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَلِهَذَا (?) عَلَّقَهُ بِهِمَا، كَمَا يُعَلِّقُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ أَيْضًا.
وَخِلَافَةُ الصِّدِّيقِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا: هَلِ انْعَقَدَتْ بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ كَخِلَافَةِ عُمَرَ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِيَارِ؟ .
وَأَمَّا دَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ؛ فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا نَازَعَ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ؛ كُلُّهُمْ يَحْتَجُّ عَلَى صِحَّتِهَا بِالنُّصُوصِ، إِذَا كُنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَانَ ذِكْرَ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ لَا يُفَارِقُهُ الْبَتَّةَ.
وَمَعَ هَذَا فَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: قَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ نَصٌّ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِيجَابَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُوجِبُوا كُلَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحَرِّمُوا كُلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبُوا حَرَامًا، وَيُحَرِّمُوا وَاجِبًا بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ السُّكُوتُ عَنْ