وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ (?) الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ قَوَانِينَ الْمَمْلَكَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، مِثْلَ الْوَزِيرِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ.
وَآخَرُونَ قَالُوا فِيهِ مَقَالَةً ضَعِيفَةً، كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَفْهَمُ مَعْنَاهُ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ.
وَأَمَّا مَرْوَانُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ (?) مِنْهُمَا وِلَايَةٌ عَامَّةٌ، بَلْ كَانَ زَمَنُهُ زَمَنَ فِتْنَةٍ، لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ.
وَلِهَذَا جَعَلَ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ خِلَافَةَ عَلِيٍّ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالُوا: لَمْ تَثْبُتْ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَقَالُوا: " مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ ". وَاسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ خِلَافَتِهِ بِحَدِيثِ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» ". فَقِيلَ لِلرَّاوِي: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً. فَقَالَ: " كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ " (?) ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ.