مُجْتَهِدٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ بِمُوجِبِ الْعِلْمِ وَالدَّلِيلِ، لَيْسَ لَهُمَا عَمَلٌ يُتَّهَمُونَ فِيهِ (?) ، لَكِنَّ اجْتِهَادَ عُثْمَانَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَدَ عَنِ الْمَفْسَدَةِ ; فَإِنَّ الدِّمَاءَ خَطَرُهَا أَعْظَمُ مِنَ الْأَمْوَالِ.
وَلِهَذَا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ هَادِيَةً مَهْدِيَّةً سَاكِنَةً، وَالْأُمَّةُ فِيهَا مُتَّفِقَةٌ، وَكَانَتْ سِتَّ سِنِينَ لَا يُنْكِرُ النَّاسُ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَنْكَرُوا أَشْيَاءَ فِي السِّتِّ الْبَاقِيَةِ، وَهِيَ دُونَ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عَلِيٍّ مِنْ حِينِ تَوَلَّى، وَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَوْبَاشِ النَّاسِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَثِيرٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَاتَلُوهُ، وَعُثْمَانُ فِي خِلَافَتِهِ فُتِحَتِ الْأَمْصَارُ وَقُوتِلَتْ (?) الْكُفَّارُ، وَعَلِيٌّ فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُقْتَلْ كَافِرٌ وَلَمْ تُفْتَحْ مَدِينَةٌ.
فَإِنْ كَانَ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّأْيِ، فَرَأْيُ عُثْمَانَ أَكْمَلُ، وَإِنْ كَانَ عَنِ الْقَصْدِ، فَقَصْدُهُ أَتَمُّ.
قَالُوا: وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَعُثْمَانُ قَدْ زَوَّجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَيْنِ مِنْ بَنَاتِهِ، وَقَالَ: " «لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» (?) "، وَسُمِّيَ ذُو النُّورَيْنِ (?) بِذَلِكَ ; إِذْ لَمْ يُعْرَفْ أَحَدٌ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ نَبِيٍّ غَيْرُهُ.