كَمَا أَنَّ صِدِّيقَ الْأُمَّةِ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ آمَنُوا بِهِ (?) ، وَلَمْ يَحْتَاجُوا مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْخَوَارِقِ إِلَى مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَمَعْرِفَتِهِمْ.

وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فِي تَقْرِيرِ الرِّسَالَةِ وَأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَأَنَّ طَرِيقَ الْمُعْجِزَاتِ طَرِيقٌ مِنَ الطُّرُقِ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ النُّظَّارِ: (* إِنَّ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْمُعْجِزَةِ، كَانَ كَمَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْرِفَةَ الصَّانِعِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْمَعْرِفَةِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ (?) .

وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ *) (?) الَّذِينَ يَحْصُرُونَ نَوْعًا مِنَ الْعِلْمِ بِدَلِيلٍ مُعَيَّنٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، مِمَّا أَوْجَبَ تَفَرُّقَ النَّاسِ، فَطَائِفَةٌ تُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ; فَيُوجِبُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ مَقْدُوحًا فِي بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ، كَأَدِلَّتِهِمْ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ.

وَطَائِفَةٌ تَقْدَحُ فِي الطُّرُقِ (?) النَّظَرِيَّةِ جُمْلَةً، وَتَسُدُّ بَابَ النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَتَدَّعِي تَحْرِيمَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَاسْتِغْنَاءَ النَّاسِ عَنْهُ، فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015