وَالْحِزْبُ الثَّالِثُ - وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - يَرَوْنَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا بَعَثَ ابْنَ عَمِّهِ عَقِيلًا إِلَى الْكُوفَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّهُ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ بَايَعَهُ طَائِفَةٌ، فَطَلَبَ (?) . الرُّجُوعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ السَّرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَتْهُ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ يَتْرُكُوهُ يَرْجِعُ إِلَى مَدِينَتِهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ يَذْهَبُ إِلَى الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَطَلَبُوا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ لِيَأْخُذُوهُ أَسِيرًا.
وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ تَمْكِينُهُ مِمَّا طَلَبَ، فَقَاتَلُوهُ ظَالِمِينَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُرِيدًا لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا طَالِبًا لِلْخِلَافَةِ، وَلَا قَاتَلَ عَلَى طَلَبِ خِلَافَةٍ، بَلْ قَاتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لِمَنْ صَالَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ أَسْرَهُ.
وَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْحِزْبِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا الْحِزْبُ الثَّانِي فَبُطْلَانُ قَوْلِهِ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْ أَظْهَرِهَا أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِمَّنْ قَاتَلَهُ، حَتَّى وَلَا الْخَوَارِجَ، وَلَا سَبَى ذُرِّيَّةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا غَنِمَ مَالَهُ، وَلَا حَكَمَ فِي أَحَدٍ مِمَّنْ قَاتَلَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ، كَمَا حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فِي بَنِي حَنِيفَةَ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ يَتَرَضَّى (?) . عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ قَاتَلَهُ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ وَفِي أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ قَاتَلَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ مُنَادِيَهُ نَادَى يَوْمَ الْجَمَلِ: " لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ،