ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ ; فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ سُورَةَ الْحَشْرِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهُمْ قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَأُحُدٍ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا (?) مَصَافُّ وَلَا هَزِيمَةٌ، وَلَا رَمَى أَحَدٌ ثَنِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَإِنَّمَا أُصِيبَتْ ثَنِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ فِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ، قَدْ (?) حَاصَرُوهُمْ حِصَارًا شَدِيدًا، وَقَطَّعُوا نَخِيلَهُمْ.
وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 5] .
وَلَمْ يَخْرُجُوا لِقِتَالٍ حَتَّى يَنْهَزِمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَانُوا فِي حِصْنٍ يُقَاتِلُونَ مِنْ وَرَائِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 14] .
ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْلَاهُمْ إِجْلَاءً لَمْ يَقْتُلْهُمْ فِيهِ. قَالَ تَعَالَى (?) : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] .