(فَصْلٌ)
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا انْهَزَمَ قَطُّ ".
فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالْقَوْلُ فِي أَنَّهُ مَا انْهَزَمَ، كَالْقَوْلِ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ مَا انْهَزَمُوا قَطُّ. وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَحَدٍ (?) مِنْ هَؤُلَاءِ هَزِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يُنْقَلْ، فَيُمْكِنُ أَنَّ عَلِيًّا وَقَعَ مِنْهُ مَا لَمْ يُنْقَلْ.
وَالْمُسْلِمُونَ كَانَتْ لَهُمْ هَزِيمَتَانِ: يَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ انْهَزَمَ، بَلِ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ وَالْمَغَازِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَبَتَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يَنْهَزِمَا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ. وَمَنْ نَقَلَ أَنَّهُمَا انْهَزَمَا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَكَذِبُهُ مَعْلُومٌ. وَإِنَّمَا الَّذِي انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ عُثْمَانُ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَمَا نُقِلَ مِنَ انْهِزَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالرَّايَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَمِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلَقَةِ الَّتِي افْتَرَاهَا الْمُفْتَرُونَ.
وَقَوْلُهُ: " مَا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ إِلَّا قَطَّ ".
فَهَذَا لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ وَلَا انْتِفَاؤُهُ، وَلَيْسَ مَعَنَا فِي ذَلِكَ نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي خَالِدٍ وَالزُّبَيْرِ، وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي دُجَانَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ وَنَحْوِهِمْ: إِنَّهُ مَا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ إِلَّا قَطَّ، كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي عَلِيٍّ، بَلْ صِدْقُ هَذَا فِي مِثْلِ خَالِدٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَوْلَى.
فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» (?) . فَإِذَا قِيلَ فِيمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ سُيُوفِهِ: إِنَّهُ مَا