وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ مَنْ قَالَ: وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ نَفْسُ حَقِيقَتِهِ الْمَوْجُودَةِ، إِنَّمَا هَذَا هُوَ قَوْلٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا جَعَلْنَا الْوُجُودَ عَامًّا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ، أَوِ الْمُتَفَاضِلَةِ (?) الَّتِي تُسَمَّى الْمُشَكِّكَةَ، وَقُلْنَا: إِنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَقَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، كَانَ النَّوْعَانِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَهُوَ كُلِّيٌّ مُطْلَقٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ ; فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ غَيْرُ الْوُجُودِ.
فَمَنْ قَالَ إِنَّ الشَّيْءَ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْحَقِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ: لَفْظُ الْوُجُودِ يَعُمُّهُمَا، بَلْ يَقُولُ: هُوَ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ.
وَهَذَا غَلَطٌ ضَلَّتْ فِيهِ طَوَائِفُ، كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ.
بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْوُجُودِ كَلَفْظِ الْحَقِيقَةِ، وَكَلَفْظِ الْمَاهِيَّةِ، وَكَلَفْظِ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ، فَإِذَا قُلْتُمْ: الْوُجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، أَوْ قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ - كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكُمْ: الْحَقِيقَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبَةٍ وَمُمْكِنَةٍ، أَوْ إِلَى قَدِيمَةٍ وَمُحْدَثَةٍ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: الذَّاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، وَالْمَاهِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى هَذَا وَهَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: الشَّيْءُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَقَدِيمٍ وَحَادِثٍ.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُلْتُمْ: يَشْتَرِكَانِ فِي الْوُجُودِ أَوِ الْوُجُوبِ (?) ، وَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا