مُكْتَسَبَةٌ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ (?) : إِنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِ صِفَاتٍ، مَنْ حَصَلَتْ لَهُ فَهُوَ نَبِيٌّ: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ قُدْسِيَّةٌ حَدْسِيَّةٌ يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ بِلَا تَعَلُّمٍ، وَأَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ قَوِيَّةً لَهَا تَأْثِيرٌ فِي هَيُولَى الْعَالَمِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ يَتَخَيَّلُ بِهَا مَا يَعْقِلُهُ، وَمَرْئِيًّا فِي نَفْسِهِ، وَمَسْمُوعًا فِي نَفْسِهِ.
هَذَا كَلَامُ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ فِي النُّبُوَّةِ، وَعَنْهُ أَخَذَ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ " الْمُضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا ".
وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ يَحْصُلُ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ نَبِيًّا، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَهَؤُلَاءِ قَالُوا هَذَا لَمَّا احْتَاجُوا إِلَى الْكَلَامِ (?) فِي النُّبُوَّةِ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الدَّهْرِيَّةِ، الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْأَفْلَاكَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، لَا مُفْعُولَةٌ لِفَاعِلٍ بِقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَأَنْكَرُوا عِلْمَهُ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ ; فَتَكَلَّمَ هَؤُلَاءِ فِي النُّبُوَّةِ عَلَى أُصُولِ أُولَئِكَ.
وَأَمَّا الْقُدَمَاءُ - أَرِسْطُو وَأَمْثَالُهُ - فَلَيْسَ لَهُمْ فِي النُّبُوَّةِ كَلَامٌ مُحَصَّلٌ. وَالْوَاحِدُ (?) مِنْ هَؤُلَاءِ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، كَمَا كَانَ السُّهْرَوَرْدِيُّ الْمَقْتُولُ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالتَّأَلُّهِ، وَسَلَكَ نَحْوًا مِنْ مَسْلَكِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَجَمَعَ بَيْنَ فَلْسَفَةِ الْفُرْسِ وَالْيُونَانِ، وَعَظَّمَ أَمْرَ الْأَنْوَارِ، وَقَرَّبَ دِينَ الْمَجُوسِ الْأَوَّلَ، وَهِيَ نُسْخَةُ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَكَانَ لَهُ