يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْأَخْبَارِ، فَقَدْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَدِ مِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (?) ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَالسَّابِقِينَ مِنْ ذَوِي الْفَضَائِلِ الْعَظِيمَةِ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفَضَائِلِ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ قَدِيمَةٌ، وَهِجْرَةٌ سَابِقَةٌ، وَفَضْلٌ ظَاهِرٌ، فَمَا اسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْجِهَاتِ، وَهِيَ بِلَادُ الْيَمَنِ كُلُّهَا عَلَى سَعَتِهَا وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهَا، وَعُمَانَ، وَحَضْرَمَوْتَ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالطَّائِفِ، وَمَكَّةَ، وَخَيْبَرَ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْحِجَازِ، وَلَوِ اسْتَعْمَلَهُمْ لَكَانُوا لِذَلِكَ أَهْلًا، وَلَكِنْ خَشِيَ الْمُحَابَاةَ، وَتَوَقَّعَ أَنْ يُمِيلَهُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْهَوَى.
ثُمَّ جَرَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَجْرَاهُ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَعْمِلْ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدًا عَلَى سَعَةِ الْبِلَادِ وَكِبَرِهَا (?) ، وَقَدْ فَتَحَ الشَّامَ (?) ، وَمِصْرَ، وَجَمِيعَ مَمْلَكَةِ الْفُرْسِ (?) إِلَى خُرَاسَانَ، إِلَّا النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيٍّ وَحْدَهُ عَلَى مَيْسَانَ، ثُمَّ أَسْرَعَ عَزَلَهُ.
وَفِيهِمْ مِنَ الْهِجْرَةِ مَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْخَاذِ قُرَيْشٍ ; لِأَنَّ بَنِي عَدِيٍّ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إِلَّا هَاجَرَ، وَكَانَ فِيهِمْ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ذِي السَّوَابِقِ، وَأَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَخَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، (وَابْنِهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (?) .